نظّم مجلس الشباب المصري بالتعاون مع مؤسسة تأثير للعمل البيئي والتنمية المجتمعية مائدة مستديرة وطنية رفيعة المستوى حول إدماج الحقوق البيئية في المرحلة الثانية من الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، بمشاركة قرابة أربعين خبيرًا ومتخصصًا من رموز العمل البيئي والحقوقي في مصر، وذلك في إطار دعم الحوار المجتمعي الجاد حول أحد أكثر الملفات ارتباطًا بحياة المواطنين وصحتهم وجودة معيشتهم، وفي توقيت بالغ الأهمية مع بدء التحضير للمرحلة الثانية من الاستراتيجية.
وشهدت المائدة مشاركة نخبة من الخبراء والمتخصصين في قضايا البيئة وحقوق الإنسان، من بينهم الدكتور عماد عدلي، المهندس حسام إمام، الدكتور شريف الرفاعي، أروى عثمان، الدكتورة هالة يسري، الدكتور منصور صالح، المهندس علي عبده، الدكتورة منة الله خفاجي، إلى جانب عدد من الأكاديميين والباحثين والفاعلين في المجالين البيئي والحقوقي، بما عكس تنوع الخبرات والرؤى المطروحة داخل الحوار.
وفي كلمته، أكد الدكتور محمد ممدوح، رئيس مجلس أمناء مجلس الشباب المصري وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، أن هذه المائدة المستديرة تمثل نموذجًا عمليًا لكيفية تحويل الحوار المجتمعي إلى أداة حقيقية داعمة لصنّاع القرار، مشددًا على أن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان ليست وثيقة نظرية أو إطارًا إرشاديًا فقط، بل تمثل خطة عمل وطنية يجب أن تنعكس بشكل مباشر على القضايا الحياتية للمواطنين، وعلى رأسها الحقوق البيئية لما لها من ارتباط وثيق بحقوق أساسية مثل الحق في الصحة، والسكن الملائم، والمياه النظيفة، والغذاء الآمن، والعمل في بيئة سليمة. وأضاف أن توسيع هذا النموذج من الحوارات المتخصصة يشكل خطوة ضرورية لبناء توافق وطني واسع حول أولويات المرحلة المقبلة، ويعزز من فرص نجاح المرحلة الثانية من الاستراتيجية.
ومن جانبها، أكدت الدكتورة سوسن العوضي، خبيرة البيئة والسياسات المناخية ورئيسة مجلس أمناء مؤسسة تأثير، أن إدماج الحقوق البيئية داخل الاستراتيجية الوطنية يجب أن يتم وفق منهجية علمية دقيقة وواضحة، موضحة أن الحقوق البيئية لا يمكن التعامل معها كبند فرعي أو إضافة شكلية، وإنما كمنظومة متكاملة تتطلب تحديد الالتزامات بشكل واضح، ووضع مؤشرات قياس قابلة للرصد، وآليات متابعة ومساءلة فعّالة. وأشارت إلى أن الحديث عن الحق في بيئة سليمة يعني التحول من إدارة الأزمات إلى إدارة المخاطر، ومن الحلول الجزئية إلى السياسات الوقائية القائمة على الأدلة العلمية ومبادئ العدالة البيئية، مؤكدة أن المرحلة الثانية من الاستراتيجية تمثل فرصة حقيقية لإعادة صياغة العلاقة بين البيئة وحقوق الإنسان على أسس الوقاية والشفافية والمشاركة المجتمعية وربط السياسات البيئية بأهداف الصحة العامة والتنمية المستدامة.
وفي السياق ذاته، شدد الدكتور عماد عدلي، رئيس المكتب العربي للشباب والبيئة، على أن تمكين المواطنين معرفيًا وقانونيًا يمثل حجر الأساس لأي منظومة حقوق بيئية فعّالة، مؤكدًا أن الحق في المعرفة البيئية والحق في التقاضي البيئي يشكلان مدخلًا رئيسيًا لحماية البيئة وضمان استدامة الموارد. وأوضح أن إتاحة المعلومات البيئية وتمكين المواطنين ومنظمات المجتمع المدني من اللجوء إلى القضاء عند وقوع انتهاكات يمثلان شرطًا لازمًا لتحويل الحقوق البيئية من شعارات إلى ممارسات قابلة للتنفيذ.
كما أكدت الدكتورة هالة يسري على أهمية البناء المؤسسي داخل الدولة عند إدماج الحقوق البيئية، مشيرة إلى ضرورة وجود محور تفصيلي ومستقل داخل الاستراتيجية الوطنية، إلى جانب إنشاء وحدات متخصصة داخل الوزارات والجهات المعنية تتولى الإشراف والتنسيق والمتابعة، بما يضمن تكامل الأدوار وعدم تشتت المسؤوليات وتحقيق فاعلية التنفيذ.
ومن جانبه، أوضح المهندس علي عبده أن نجاح إدماج الحقوق البيئية يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالإطار التشريعي المنظّم لها، مؤكدًا الحاجة إلى تشريعات أكثر وضوحًا وربط فعلي بين مختلف أصحاب المصلحة وبين الهدف النهائي من هذه الحقوق، بما يضمن قابليتها للتطبيق العملي وعدم بقائها في إطار الشعارات العامة.
وأشار الدكتور منصور صالح إلى أهمية ترتيب أولويات الحقوق البيئية داخل الاستراتيجية الوطنية، مؤكدًا أن قضايا التلوث، والأمن المائي، والأمن الغذائي يجب أن تتصدر هذه الأولويات خلال المرحلة المقبلة، نظرًا لتأثيرها المباشر على حياة المواطنين وصحة المجتمعات واستقرارها.
وأسفرت المائدة المستديرة عن توافق واسع حول مجموعة من التوصيات العملية، من بينها تعميم جلسات الحوار المجتمعي المتخصصة حول الحقوق البيئية على مستوى المحافظات المختلفة بمشاركة موسعة من منظمات المجتمع المدني، وتأسيس شبكة وطنية تضم الخبراء والفاعلين المدنيين لدعم الدولة في تحويل الحقوق البيئية إلى سياسات وبرامج تنفيذية قابلة للتطبيق، إلى جانب إعداد ورقة سياسات مختصرة تتضمن مخرجات وتوصيات هذا الحوار تُرفع مباشرة إلى الجهات المعنية وصنّاع القرار.
واختُتمت أعمال المائدة بالتأكيد على أن الحق في بيئة نظيفة وصحية ليس ترفًا أو مطلبًا ثانويًا، بل حق أصيل من حقوق الإنسان، وأن المجتمع المدني يظل شريكًا أساسيًا في دعم جهود الدولة وبناء مسار إصلاحي بيئي مستدام قائم على الحوار الجاد والمشاركة الفعّالة والمسؤولية المشتركة .

الرابط المختصر: http://economy-live.com/?p=87734











