تسارع التضخم في منطقة اليورو بمعدل أكبر من المتوقع، ليضيف مزيداً من الضبابية حيال مسار أسعار الفائدة لدى البنك المركزي الأوروبي، المرتقب خفضها في الأسبوع المقبل.
وبحسب بيانات صادرة عن “يوروستات” ، أمس الجمعة ، فقد ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين 2.6% على أساس سنوي في مايو، متسارعاً من 2.4% في أبريل الماضي.
ورغم أن هذا الارتفاع يتجاوز متوسط توقعات المحللين في مسح أجرته “بلومبرج” البالغ 2.5%، فإنه يتماشى مع تقدير نموذج “ناو كاست” الصادر عن “بلومبرج إيكونوميكس”.
كما فاق المؤشر الذي يستبعد العناصر متقلبة الأسعار، مثل الغذاء والطاقة، التوقعات متسارعاً إلى 2.9%.
وحذّر مسؤولو البنك المركزي الأوروبي من مسار متقلب للتضخم في ضوء تراجع معدل زيادة الأسعار نحو مستهدف 2% بعد ارتفاعها التاريخي ، ورغم ذلك، يُتوقع أن يخفضوا أسعار الفائدة على الودائع عن مستواها القياسي الحالي عند 4% في السادس من يونيو، ليسبقوا بذلك كلاً من بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي وبنك إنجلترا.
وبحسب بلومبرج ، لا تزال أسواق النقد تتوقع خفض أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية الأسبوع المقبل، إلا أنها قلصت توقعاتها حيال إجراء تخفيضات أخرى إضافية ، كما يراهن المتعاملون على إجراء خفضين إجمالاً هذا العام، ويتوقعون بنسبة 25% خفضاً ثالثاً.
وأشار كبير الاقتصاديين فيليب لين الأسبوع الجاري إلى أنه من المناسب جعل السياسة النقدية أقل تشدداً، حتى في حالة توقع ارتفاع التضخم “مرة أخرى” في العام الجاري. كما أكد آخرون رغبتهم في اتخاذ الخطوة ، أي خفض الفائدة ، خلال الأيام الماضية.
ورغم الانخفاض الكبير في زيادة الأسعار عن ذروتها التي تجاوزت 10%، تباطأ التقدم مؤخراً، وتحولت بؤرة الاهتمام من الصدمات الخارجية، مثل تكاليف الطاقة، إلى العوامل المحلية، ومن بينها الأجور وأرباح الشركات والإنتاجية.
ويرجع جزء من التذبذب الحالي إلى الآثار الإحصائية المعاكسة، فإصدار تذكرة مواصلات منخفضة السعر في جميع أنحاء ألمانيا قبل عام، زاد رقم المؤشر في الشهر الجاري، وكذلك فعل الانخفاض الكبير الذي لم يتكرر في تكاليف الطاقة في 2023.
وأظهرت التقارير الوطنية التي صدرت هذا الأسبوع تسارعاً متوازناً نسبياً في أكبر اقتصادات المنطقة، حيث ارتفعت الأسعار بمعدل أسرع من المتوقع في ألمانيا وفرنسا وإسبانيا. أما في إيطاليا، فقد زادت بمعدل طفيف عن المسجل في أبريل.
وتركزت المخاوف الجوهرية بشكل أكبر على قطاع الخدمات، الذي قفز فيه معدل التضخم إلى 4.1% خلال مايو ، ومع زيادة تعرض الشركات لارتفاع تكاليف العمالة وزيادة طلب المستهلكين، يمثل ذلك القطاع من الاقتصاد عاملاً حاسماً في امتناع العديد من المسؤولين عن الإشارة إلى تجاوز مرحلة الخطر.
ورغم تحفظات المستثمرين، يتوقع المحللون الاقتصاديون خفض أسعار الفائدة 3 مرات هذا العام ، كما لا يرى بعض المسؤولين، ومن بينهم رئيس البنك المركزي الألماني ، ضرورة لاتباع الخطوة الأولية في يونيو بأخرى في يوليو، مع ذلك يرى نظيره الفرنسي فرانسوا فيلروي دو غالو أنه لا يجب استبعاد هذا السيناريو.
وقال فابيو بانيتا عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي ، أمس الجمعة، في روما : “حتى مع إجراء عدة تخفيضات في أسعار الفائدة الأساسية، سيظل وضع السياسة النقدية متشدداً”، و”عند تحديد مسار سياسة أسعار الفائدة، يجب الأخذ في الاعتبار أن التقلبات في الاقتصاد الكلي الناتجة عن الإجراءات الفورية والتدريجية أفضل من تلك الناجمة عن التأخر عن المسار واتخاذ قرارات متسرعة”.
وقال ديفيد باول، محلل اقتصادي أول لشؤون منطقة اليورو في “بلومبرج إيكونوميكس” : “تشير الصورة الكلية إلى تحسن عملية تراجع التضخم بشكل كبير، ويرجح أن تستمر خلال فصل الصيف ، يجب أن يفسح ذلك المجال لخفض أسعار الفائدة مرات أخرى خلال النصف الثاني من العام ، يكمن الخطر الأساسي على تلك التوقعات في مسار تضخم أسعار الخدمات”.
وتعد أجور العاملين محور اهتمام رئيسي، في ظل ارتفاع الأجور المتفاوض عليها بمعدل أكبر من المتوقع خلال الربع الأول.
وسعى المركزي الأوروبي إلى تهدئة المخاوف إزاء تلك المسألة، مشيراً إلى أن المؤشر ارتفع نتيجة مدفوعات غير متكررة، وأن المؤشرات الأخرى توضح استمرار التراجع.
ورغم ذلك، لفت رئيس البنك المركزي الهولندي كلاس كنوت إلى أن الارتفاع في الإنتاجية، الذي أشار مسؤولون إلى أنه يجب أن يساعد في تخفيف الضغوط التضخمية هذا العام، لم يتحقق حتى الآن.
وسيصدر المركزي الأوروبي توقعاته الفصلية الجديدة في الأسبوع الجاري، إلا أن المحللين الذين استطلعت “بلومبرج” آراءهم لا يتوقعون إجراء تعديلات كبيرة على آفاق التضخم.
وبالنسبة لشهر يونيو، يشير نموذج “ناو كاست” الصادر عن “بلومبرج إيكونوميكس” إلى قراءة 2.3%، مع أخذ أحدث البيانات في الاعتبار.