عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان، بالشراكة مع صندوق الأمم المتحدة لدعم تفعيل توصيات الاستعراض الدوري الشامل، ورشة العمل الوطنية حول “الحد من عقوبة الإعدام في جمهورية مصر العربية”، خلال الفترة من 12 إلى 14 نوفمبر 2024. وتأتي أعمال الورشة الوطنية، في سياق جهود المنظمة لتعزيز العدالة الجنائية في مصر والمنطقة العربية على مدار أكثر من أربعة عقود من العمل الدؤوب والمتواصل. وتعد الشراكة بين المنظمة وصندوق الأمم المتحدة لدعم وتفعيل توصيات الاستعراض الدوري الشامل، شراكة فريدة وأولى من نوعها، إذ أنها المرة الأولى التي يعمل الصندوق مع منظمة غير حكومية.
وتهدف ورشة العمل إلى إطلاق منصة للحوار بين مختلف أصحاب المصلحة المعنيين لاستشراف وتبني مقترحات من شأنها تفعيل وتكريس الالتزام الوطني بالحد من عقوبة الإعدام، وقصرها على أشد الجرائم غلطة، فضلًا عن استشراف توصيات عملية قابلة للتطبيق على أرض الواقع لتطوير المنظومة الجنائية والعقابية في مصر، وتتواكب مع التزامات مصر الدولية في مجال حقوق الإنسان، وتلبي التطلعات الشعبية في تعزيز حقوق الإنسان في البلاد، وتسهم كلك في تفعيل أهداف الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان 2021 – 2026، وخاصًة الهدف المتعلق بـ”وضع إطار لمراجعة الجرائم المعاقب عليها بعقوبة الإعدام”.
وتكتسب أهمية خاصة لأنها تأتي على مقربة 10 أسابيع من مناقشة مصر تقريرها الوطني أمام الدورة الرابعة لآلية الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة.
واستمرت أعمال ورشة العمل لثلاثة أيام متصلة شهدت وقائع 7 جلسات عمل مكثفة بحضور مقدر لممثلين عن السلطة التنفيذية ممثلة في وزارة الشؤون القانونية والنيابية والتواصل السياسي واللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان برئاسة وزارة الخارجية، وعضوية 20 وزارة وهيئة رسمية، ونواب عن البرلمان المصري بغرفتيه النواب والشيوخ، وقضاة وخبراء قانونيون وصحفيين ورقيادات منظمات حقوقية وممثلين لمجالس القومية المتخصصة وخبراء العلوم السياسية والاجتماع ورجال الدين.
وشهدت الجلسة الافتتاحية كلمات لكل من:
الأستاذ “معتز بالله عثمان” الأمانة الفنية للجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان – مصر
المستشار “شريف شعراوي” وزارة الشئون النيابية والقانونية والتواصل السياسي
النائب “طارق رضوان” رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب
الأستاذ “علاء شلبي” رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان
وتضمن برنامج العمل: : ركزت جلسات اليوم الاول على”استعراض ما تتضمنه البنية التشريعية الوطنية وتوجهات الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان. بينما تناول جلسات اليوم الثاني “استعراض المعايير الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها مصر وأولويات المواءمة التشريعية”. ووركزت جلسات عمل اليوم الثالث على إجراء عصف ذهني حول السبل العملية المناسبة للحد من عقوبة الإعدام في التشريع والممارسة”.
ولقد أكدت اتجاهات النقاش على ما يلي:-
التأكيد على أن مكانة مصر القانونية ونفوذها الأدبي على المنظومات القانونية في عدد كبير من الدول يدفع إلى أهمية السعي إلى تطوير التشريعات وفي مقدمتها قانون العقوبات.
تبادل النقاشات بين مؤيد ومعارض لاستمرار استخدام عقوبة الإعدام، وأهمية فتح حوار مجتمعي ممتد للإجابة على التساؤلات المشروعة في كيف نوازن بين شدة وجسامة العقوبة وحماية الحق في الحياة وبين منظور وحقوق الضحايا واطمئنان المجتمع وموروثاته الثقافية المتراكمة.
التوافق مرحليا على أهمية المراجعة لتقليل عدد المواد وحصر الجرائم التي تفضي إلى عقوبة الإعدام لقصى ما يمكن، بالتوازي مع الاستمرار في خفض معدلات التنفيذ.
الخلاف والانقسام إذا التوجه في مراحل لاحقة نحو الإلغاء، حيث توجه رأي بعض المشاركين إلى أهمية الإبقاء على العقوبة في مختلف الظروف، وتوجه رأي أخر نحو تبني استراتيجية لبلوغ غايات إلغاء العقوبة عندما تتهيئ الظروف الثقافية الاقتصادية والاجتماعية
أهمية النظر في مراجعة منظومة العدالة الجنائية بشقيها الإجرئي والعقابي.
التأكيد على أن تحديث منظومات التشريعات هي عملية مستمرة ومتواصله وهي مجموعة كبيرة على الخطوات والإجراءات تعبر عن إرادة الدولة بسلطاتها وبمشاركة واسعة مع جميع أصحاب المصلحة المعنيين.
الكثافة التشريعية التي تفضي إلى عقوبة الإعدام تؤدي بالضرورة إلى إسراف في الأحكام ويضع السلطة التنفيذية في أزمة التجاوب مع التنفيذ المفرط أو الارجاء لمدد غير محددة تُحملها أعباء متعددة ابزها أعباء أمنية واقتصادية وأعباء مواجهة التزاماتها التعاقدية والإنسانية أمام المجتمع الدولي.
أهمية النظر في بعث رسائل طمأنة إلى الداخل وإلى المجتمع الدولي في سياق ضمان الثقة في العدالة والسعي إلى حصر عقوبة الإعدام في أشد الجرائم خطورة مع تقليص عمليات التنفيذ إلى أقصى قدر ممكن.
وحث الدولة المصرية على تعليق العمل بعقوبة الإعدام متى تهيأت الظروف استنادا إلى قبول توصية النمسا رقم 106 في الجولة الثالثة للاستعراض الدوري الشامل أمام 2019.
العمل على تعزيز نظام العدالة الجنائية من خلال التركيز على تطوير إجراءات التحقيق والمحاكمة، وتوفير دفاع قانوني فعال للمتهمين، وتقليل نسبة الأخطاء القضائية.
التأكيد على مدى التطور على المستوى الدولي في نظم العدالة والاتجاه بوتيرة سريعة نحو الحد من العقوبات القاسية، واعتبار تقييد الحرية هو الملاذ الأخير نظرا لخطورته اجتماعيا ونفسيا واقتصاديا، والسعي إلى استخدام بدائل تقييد الحرية.
تعزيز برامج بناء القدرات لمرفق العدالة بوجه عام والخدمات المعاونة وموظفي القضاء بوجه خاص ومن بينهم الطب العدلي.
والعمل على مكافحة الجريمة من خلال دراسات الجنائية والاجتماعية والاقتصادية لأسباب الجريمة من بينها الفقر والبطالة والتعليم وكذلك وتطوير برامج الوقاية من الجريمة وإعادة تأهيل المجرمين.
وأيضا السعي على تطبيق منظومة جديدة للعقوبات بديلة أكثر إنسانية وفعالية، مثل السجن المؤبد أو العقوبات المجتمعية.
تعزيز دولة سيادة القانون وسبل المسائلة والمحاسبة والإنصاف الفعالة لتمتع المجتمع لكافة حقوق الإنسان، وضمانات المعاملة الإنسانية، وحقوق المحكوم عليهم وخاصة الذين يواجهون عقوبة الإعدام.
التركيز على بناء مجتمع أكثر عدالة وأمانًا، بما يتضمن من احترام وحماية حقوق الإنسان والتمتع الكامل لجميع الحقوق وجميع الأفراد دون تمييز.
التأكيد على أن عقوبة الإعدام مسألة معقدة تتجاوز الجانب القانوني وتشمل جوانب أخلاقية وإنسانية واجتماعية واقتصادية متعددة.
المنظمة على استعداد بالمساهمة بالرأي والتفاعل القانوني والحقوقي في أي من القضايا الشائكة المطروحة على مائدة النقاش داخل الدولة المصرية لمواجهة حاجز التخوف والتردد (التعذيب، الاختفاء القسري، عقوبة الإعدام، قضايا الفساد، مكافحة التمييز، جرائم الأموال العامة)
إشكالية فجوة الأرقام وغياب المعلومات وصعوبات اتاحتها (عدد المحكوم عليهم نهائيا، عدد الأحكام النهائية) والحث على تلبية الاستحقاق الدستوري “قانون حرية تداول المعلومات”.
الحث على سن تشريع وإنشاء مفوضية مناهضة التمييز
والحث على سرعة تعديل قانون المجلس القومي لحقوق الإنسان بما يشمل تصحيح كافة الإشكاليات، حتى يتجاوز أزمته الحالية وحتى ينهض مسؤولياته الدستورية والحقوقية
إشكالية عدم الشجاعة على مواجهة التخوفات (الأولويات- التبرع بالتخوفات- التراجع عن التعديلات التشريعية العاجلة- التراجع عن تنفيذ برامج التوعية الحقوقية في المجتمعات الريفية)
التأكيد على أهمية مبدأ التوسع في التشاور المجتمعي خلال إعداد التشريعات ذات الأهمية، وفي مقدمتهم أصحاب المصلحة بمختلف تنوعهم، لتحقيق أقصى قدر ممكن من التوافق وتجاوز الأزمات الفئوية، وضمان الرضاء والثقة الشعبية في الأبعاد القانونية والاطمئنان المجتمعي.
التوسع في دراسة مدى جدوى عقوبة الإعدام بالنسبة لردع العام والردع الخاص وتأثيرها على انخفاض الجريمة
أهمية الإجابة على بعض التساؤلات في (هل يمكن تحقيق الردع العام بتكلفة اقتصادية عالية؟، هل عقوبة الإعدام تتسبب في كلفة اجتماعية واقتصادية؟ ما هو الضرر من استمرار العمل بعقوبة الإعدام؟ وما هي المنافع في عدم استخدام عقوبة الإعدام؟)
ولقد أسفرت جهود ثلاثة أيام من المناقشات التفصيلية المعمقة، والتي غطت العديد من الجوانب القانونية والاجتماعية والاقتصادية والموضوعية، واثارة العديد من القضايا ذات الاهتمام العام، في سياق حوار اتسم بالشفافية والخبرات المتعدد عبرت عن أراء جوهرية، عن طرح عدد من التوصيات والمقترحات على النحو التالي:
أهمية تطوير منظومة التشريعات الجنائية والعقابية، وضرورة طرح قانون عقوبات جديد يتواكب مع التطوير في النظم العقابية وفلسفتها الحديثة ومنها العدالة الإصلاحية والعدالة التصالحية والعدالة التفاوضية، بما يتواءم مع الالتزامات الواقعة على مصر بموجب انضمامها إلى الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، بحيث يشمل:
التجاوب مع القضايا المثارة ومن بينها العقوبات بديلة في الجرائم البسيطة،
وتحديد تعريف جريمة التعذيب،
وتقليص عدد النصوص التي تفضي إلى عقوبة الإعدام إلى القدر الذي يتناسب مع الجرائم الأشد خطورة،
انضباط النصوص التشريعية بمعيار الجرائم الأشد خطورة، مع الالتزام بمعايير الجرائم الأشد خطورة التي قد تستلزم تطبيق عقوبة الإعدام، مع أهمية أن تكون تلك العقوبات جوازية وليست وجوبية أو أحادية، وإعادة النظر في الجرائم التي لا تتناسب مع تطبيق عقوبة الإعدام وخاصة المواد المهجورة غير المفعلة في القوانين العقابية.
تعزيز ضمانات تطبيق عقوبة الاعدام من بينها:
توافر مكاتب المساعدة القانونية المناسبة بوجه عام وخاصة للذين يواجهون عقوبة الإعدام وبتكلفة مجانية لغير القادرين منهم.
مراعاة الاستفادة بكل صور التخفيف المتاحة من بينها ضمان تمكين من صدر بحقه العقوبة في التماس العفو أو تخفيفها من خلال ضــــمان أن تكون إجراءات الرأفة عادلة وشفافة، واتاحتها بصفة دورية متى صدر حكم نهائية بعقوبة الإعدام ولم يتم التصديق على حكم.
تعزيز ضمانات العدالة الجنائية في التشريع والتطبيق.
النظر في تفعيل لجان المصالحة والإنصاف في مسألة تطبيق العقوبة أو استبدلها.
دعوة رئيس الجمهورية في التوسع في استخدام سلطته في تخفيف أو العفو عن عقوبة الإعدام وخاصة في الجرائم الخاصة التي لا تقع ضمن الجرائم الأشد خطورة.
الاهتمام بنشر الثقافة القانونية في المجتمع “بشكل مجاني”، وخاصة للإعلاميين المتعاملين مع إجراءات التقاضي، لأهميته في استيعاب المصلحة العامة المشتركة وتعميق الوعي العام بأهمية الامتثال للقانون وتعزيز تطبيقه في الواقع العملي وإزالة الالتباسات المثيرة لقلق المجتمع وتضعف الثقة في منظومة العدالة.
إجراء البحوث في مدى تأثير التكلفة الاقتصادية والاجتماعية لتنفيذ عقوبة الإعدام على المجتمع والدولة.
الحاجة إلى التعمق في البحث والدراسات الاجتماعية والجنائية والاقتصادية كأحد أسباب معالجة مكافحة الجريمة، وخاصة الجرائم شديدة الخطورة وأثر تطبيق العقوبة على أسرة المحكوم عليه بعقوبة الإعدام.
ضرورة تفعيل برامج إعادة التأهيل للمدانين بوجه عام والعودة إلى الاندماج الحقيقي في المجتمع
التوسع في نشر ثقافة التسامح ومكافحة التمييز وإزالة الصورة النمطية والوصم داخل المجتمع وتقبل المحكوم عليه كفرد في المجتمع دفع ثمن جرمه ويحتاج فرصة جديدة.
الحاجة إلى إجراء إحصاءات دقيقة لعدد الأحكام النهائية والنصوص التشريعية التي تفضي إلى عقوبة الإعدام ولا يتم اللجوء إليه منذ عقود والنظر في تقليصها.
الحاجة إلى زيادة انفتاح سلطات الدولة في التعاون مع المجتمع المدني والاعلام ومؤسسات التعليم والمؤسسات الدينية لتصحيح المفاهيم وتغيير الصور السلبية وغير الحقيقية المتعلقة بتطبيق العقوبات المغلظة في الجرائم غير شديدة الخطورة.
التركيز على زيادة وعي المجتمع من خلال طرح مستمر لالتزامات مصر الدولية، ومعايير ومبادئ العدالة التصالحية الجنائية، واحترام الكرامة الإنسانية.
الحاجة إلى تطوير فلسفة العقوبة نحو تقويم وإصلاح المجرمين عوضًا عن السعي إلى تغليظ العقوبات ونهج الانتقام من المجرم.
تعزيز الاهتمام بدور الإعلام بشتى تصنيفاته في النهوض بمسؤوليته في تطوير الثقافة المجتمعية وإزالة الالتباسات القانونية والقضائية، وتوسيع دائرة النقاش المجتمعي حول منظومة التشريعات الجنائية، وتطوير مفاهيم الرأي العام حول العقوبات المغلظة وترسيخ الكرامة الإنسانية واحترام وحماية حقوق الإنسان وطرح كافة اتجاهات المجتمع وآرائه ومصالحه.
أهمية الاستفادة من التراث القضائي وخاصة أحكام المحكمة الدستورية العليا ومحكمة النقض والمحكمة الإدارية العليا، بما أسسوا له من قواعد دستورية وقضائية ذات الصلة بمفهوم العدالة الجنائية وحماية واحترام الحقوق والحريات يمكن الاستخلاص منها روح وقواعد قانون جديد للإجراءات الجنائية وقانون جديد للعقوبات.
الاستفادة من التجارب الدولية والتعاون الدولي في تعليق أو إلغاء عقوبة الإعدام، والدعم القانوني والإرشادات في وقف أو تعليق العقوبة.