بحضور مدير بيت الفلسفة أحمد السّماحيّ، ومدير النّشر د. باسل الزّين، وكلّ فريق العمل المميَّز، شَهِدَ بيتُ الفلسفةِ مؤخرا، من ضمن الفعاليّات الثّقافيّة والفلسفيّة المتعدِّدة الّتي يُنظّمها ضمن فئة مبادرة الشّباب، وبالتّعاون مع مجلس الفجيرة للشباب، انعقادَ حلقة الشّباب الفلسفيّة التي شاركَ فيها كَوكبةٌ من شباب الفجيرة الواعد. حقيقة الأمر أنّ هؤلاء الشّباب شاركوا في جلسات حواريّة ونقاشيّة مع أساتذة الفلسفة – ذوي الباع الطّويل في التعليم الفلسفيّ، والإنتاج الفلسفيّ والفكريّ – في بيت الفلسفة، وأبدوا تميُّزًا ملحوظًا، وأظهروا عمقَ اطّلاعٍ كبيرًا، إذ لم ينفكّوا يتناولون القضايا الفلسفيّة الرّاهنة والمعاصرة بجرأةٍ ووعيٍ ومسؤوليّة. وذَلِك ما دفعهم إلى أن يُعالجوا في جلستهم الحواريّة ضمن إطار حلقة الشّباب مسألةَ الثّورة التكنوإلكترونيّة، وكيف يُمكن الفلسفةَ أن تُسهِم في إعلاء قيمة الإنسان في ظلّ استحواذ الآلة علينا وتحكّمها بنا.
صَرّح مدير بيت الفلسفة أحمد السّماحي: “الشّباب عماد المجتمع، والحقّ أنّ مستقبل أيّ أمّة أو دولة معقود في نجاحه على مبادرات الشّباب وتفوّقهم. والفلسفة كما هو معلوم هي فنّ طرح الأسئلة وصوغ المفاهيم وإعمال العقل النّقديّ. وعليه، أظهر شبابنا الإماراتيّون اليوم قدرة مذهلة على طرح الأسئلة الفلسفيّة الراهنة، وتمكّنوا من صوغ مفاهيم فلسفيّة جديدة تُلقي الضّوء على علاقة الفلسفة ودورها وأثرها في الثّورة التكنوإلكترونيّة، والأهمّ من ذلك كلّه أنّهم تناولوا هذه الثّورة بالنّقد والتّحليل. وهذا إن دلّ فهو يدلّ على عقول شبابنا الإماراتيّين النيِّرة الّتي من شأنها أن تُسهِم في صناعة غدٍ أكثر إشراقًا يوازن بين التقدّم العلميّ والأبعاد الأخلاقيّة والإنسانيّة والمجتمعيّة، ويُحافظ على القيم الّتي أرستها دولة الإمارات العربيّة المتّحدة.”
تناولت مريم الأميري في مداخلتها أثر التكنولوجيا الحديثة في العلاقات الاجتماعيّة، مُبيّنة أنّ وسائل التواصل الاجتماعي هي في حقيقتها وسائل تواصل لااجتماعيّ، إذ حلّ الرّقم محلّ الإنسان، ولم تعد العلاقات الإنسانيّة التواصليّة الحقّة تحظى بأهميّة، بل بات الإنسان يُحاور أخاه الإنسان من وراء شاشة، وبذلك غاب التواصل الحقيقيّ ليحلّ محلّه التواصل الوهميّ. ورأت أنّ التكنولوجيا في ظلّ غياب تشريعات صارمة تضبط عملها يُمكن أن تؤدّي إلى إضعاف القيم الأخلاقيّة لأنّها تتيح لأيّ شخص أن يطّلع من دون ضوابط على منصّات لا حدود لها، وأن يتلقّى كمًّا هائلًا من المعلومات والأفكار بل والعادات والتقاليد الغريبة عن مجتمعه مع كلّ ما يُمكن أن تنطوي عليه من تفلّت أخلاقيّ باسم الحريّة. وتطرّقت إلى مسألة الذّكاء الاصطناعيّ من زاويتين اثنتين: زاوية زيادة البطالة والقيام بالعمل بدلًا من الإنسان، وزاوية الإسهام في حلّ المشكلات الاجتماعيّة لا سيّما في ما يتعلّق بقضايا العنف والرّقابة والبيروقراطيّة.
تساءلت سارة اليماحي عن إمكانيّة أن يُغيّر الذكاءُ الاصطناعيُّ مفهومَ العمل التقليديّ، وخَلُصَت إلى أنّ العمل في ظلّ تطوّر الذكاء الاصطناعيّ لم يعد يحتاج إلى مفاهيم العمل التقليديّة من مثل الدوام والمكان والزمان بل بات بالإمكان أن تؤدّى الأعمال عن بعد ومن غير ارتباط مكانيّ وزمانيّ محدَّدين. وأوضحت أنّ الذكاء الاصطناعي سيؤدّي في نهاية المطاف إلى تطوير روبوتات تؤدّي كلّ الأعمال من دون استثناء بمهارة تفوق المهارة البشريّة وهنا مكمن الخطورة.
أمّا حسن عبد المنعم فرأى أنّ مسؤولية مراقبة التكنولوجيا الحديثة تقع على عاتق الفلسفة، إذ طالما عُنِيَت الفلسفة بمراقبة العلم وصوغ قوانين أخلاقيّة تحكم عمله، واليوم ينبغي أن تُكمِلَ مهمّتها وتراقب عمل الذكاء الاصطناعي وتصوغ قوانين أخلاقيّة تحدّ من سطوته وتحول دون القضاء على البُعد الإنسانيّ، معتبرًا أنّ أخطر التحديات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي تكمن في تجرّد الإنسان من إنسانيّته وجنوحه إلى الاتكاليّة المطلقة وانخراطه في ديمومة الكسل ومن ثمّ تزايد الأمراض وندرة فرص العمل بل وتنامي الحروب لأنّ الجيوش ستكون آليّة وغير بشريّة.
بيد أنّ سيف يعقوب الزرعوني التفت إلى الجوانب المضيئة في الذكاء الاصطناعي ولا سيّما في مجالات محدّدة أبرزها التعليم والتعلّم، إذ تضطلع تقنيات الذكاء الاصطناعيّ بالترجمة وإعداد الأبحاث والأهمّ أنّها تقدّم عددًا لامتناهيًا من المعلومات فرزًا وتحصيلًا من دون أن تُكبّد الباحث عناء البحث سنوات، فضلًا عن تبسيطها المعلومات وابتكارها تقنيات جديدة تفتح آفاقًا غير مسبوقة أمام البشر. وفي المجال الصحيّ يُسهم الذكاء الاصطناعي في تقليص نسبة الخطأ الطبي إلى الدرجة صفر، ويؤمن رعاية صحية للمرضى من خلال الروبوتات الأطباء أو الممرّضين. لكنّه ينطوي في المقابل على مخاطر بيئيّة جمّة أبرزها الزيادة في استخدام الطاقة.
أدارت الحوار حليمة الصديدي وتألّقت في حثّ المشاركين على النقاش المعمّق وتبادل الحجج والهواجس، كما تألّقت في استيعاب أسئلة الجمهور الذي رغبت أعداد كبيرة منه في المشاركة، وتركّزت معظم مشاركتهم على الهواجس الأخلاقيّة والاجتماعيّة والمخاطر المرتبطة باستخدام التقنيات التكنوإلكترونية الحديثة.